الكماشة الامريكية التي قصت الحشد
صائب خليل
انسحاب أربعة فصائل من الحشد الشعبي لتنظم الى الجيش تطور خطير للحشد ولمستقبل البلد. هذا الحدث كان آخر حلقة حتى الآن في سلسلة تستهدف انهاء الحشد، وتحققت بدفع وكلاء المرجعية إلى القيام بدعوة فصائل الحشد الى “حصر اهتمامهم بداعش”، أي ان يتركوا الاحتلال وشأنه!
وبعملية الاغتيال المزدوجة للشهداء، ثم بقرص اذن العتبات بضرب مطارهم، أوصل الاحتلال رسالة للعتبات ان بقية مصالحها ستكون معرضة للمثل. وهكذا حقق الأمريكان ما كانوا يطمحون اليه طويلاً: تقسيم الحشد تحضيراً لإنهائه، بعد ان أفشل الشهيد محاولاتهم السابقة بالاستفادة من الخلافات. ومن المحتمل ان هذا الأمر كان من اسباب اغتياله.
هكذا تم قص الحشد الى حشدين: “حشد النأي بالنفس” عن مواجهة اميركا، أي تركها تغتال من تشاء وتقصف من تشاء، حتى من افراد الحشد ذاتهم وقيادييهم، و “مقاومة”، ستكون لوحدها بوجه المدفع الأمريكي، وبالرغم من ان هذا الانفصال يناقض قانون الحشد العراقي، الذي لم تعترض عليه المرجعية من قبل. “حشد المقاومة” المزعج للأمريكان ووكلاء المرجعية معاً، يتعرض لضغط كبير، وأطلق عليه اسم “الحشد الإيراني” بالرغم من ان إيران لم تقف يوما بوجه انضمامه الى الدفاع، بل ان هذا كان جزء من الحديث بين السيد السيستاني وروحاني في زيارته للعراق، وبالرغم من دعم إيران الحالي لعدو حشد المقاومة، مصطفى الكاظمي!
محاولات حل الحشد والتحضير للاغتيال
عملت امريكا تاريخياً على حل الحشد الشعبي عبر مراحل عديدة، بل وحاولت عرقلة انشاءه منذ البداية لكنها فشلت في ذلك فسعت لضم المتطوعين تحت وزارة الدفاع، والتي تمتلك السلطة فيها على كبار ضباطها كما برهنت حرب داعش، وعلى القائد العام للقوات المسلحة.
وفي الربع الأخير من عام 2017 انطلقت حملة متميزة الشدة ضد الحشد، كانت بشكل كماشة فكها الأول سياسي – إعلامي يطالب بحل الحشد، والثاني الاعداد لعمليات اغتيال، يتمثل بوضع قيادييه على قائمة الإرهاب.
الإدارة الامريكية لا تخجل من شيء في سبيل تحقيق تلك الأمنية، فها هو وزير الخارجية السابق تيلرسون، في زيارة للعراق عام 2017، يقول: “إن الوقت قد حان كي تعود الفصائل المدعومة من إيران إلى “ديارها وكذلك مستشاروها الإيرانيون”.(1)
وهو ما كان تدخلا وقحاً أحرج حتى ربيبهم العبادي واضطره إلى الاحتجاج. وكذلك احتج التابع الأمريكي الآخر فالح الفياض(2) وجهات أخرى في الحشد(3) ووصفت صادقون التصريحات بأنها “وقحة ومهددة”(4) ودعت الى طرده(5) وقبلها عرض الرئيس الفرنسي مكرون نفسه، وللسبب ذاته، للتوبيخ من قبل المالكي(6) ومن نائب عراقي دعاه إلى ان “يحترم نفسه”(7)
هذا الضغط القديم شمل جميع ممثلي الأمم المتحدة في العراق، وكلهم معروف بصداقته مع إسرائيل(8)، عدا المغدور البطل سيرجيو دي ميللو. فعلى سبيل المثال لم يكن لدى السيد كوبيتش، ممثل الأمم المتحدة في العراق موضوع أهم يتكلم به مع السيد السيستاني سوى “ضمان التنفيذ الكامل لقانون هيئة الحشد لحصر السلاح في يد الدولة وعدم مشاركة الحشد بالانتخابات”، وخرج مهللاً بموافقة المرجعية على ذلك اعتمادا على قوله.(9) وهكذا كان الأمر مع الباقين، وكأن هيئة الأمم المتحدة لا هم لها سوى الحشد وسلاحه!
مما لا شك فيه ان جميع هذه الجهات، المساهمة في حملة المطالبة بحل الحشد، تعمل بتوجيه امريكي، ويمكننا أن نحزر ان الغرض الأمريكي من حملة حصر السلاح بيد الدولة في العراق، ليس الخوف على العراق، ان تذكرنا ان الدستور الأمريكي، يمنع حصر السلاح بيد الدولة!!
وتزامنت تلك المطالبات الوقحة بهجوم مباشر على الحشد، فوصفت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناورت نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي وغيره، بـ “الإرهابي”. وكان ذلك عبارة عن منح الحكومة الامريكية لنفسها حرية اغتياله، وهو ما فهمه الجميع، واحتج عليه.
فاعتبرت هيئة الحشد الشعبي وصف الولايات المتحدة لنائب رئيسها المهندس بـ “الإرهابي”، تهديدا مباشرا له، محملة إياها مسؤولية أي “أذى” قد يلحق به، فيما دعت وزارة الخارجية للرد على واشنطن. كذلك حذر القيادي في الحشد الشعبي جبار المعموري، إن “وضع اغلب فصائل الحشد الشعبي على لائحة الإرهاب الأمريكي جاء ضمن سياق مخطط منظم لاستهداف منظومة الحشد الشعبي بشكل كامل لأنها أفشلت مشروع تقسيم وتفتيت العراق”.(10)
واعتبر النائب عن دولة القانون حيدر الكعبي، أن قرار الكونغرس الاميركي باعتبار حركة النجباء حركة “ارهابية” استهدافا واضحا للحشد الشعبي(11)
وأوضح رئيس كتلة المواطن النائب حامد الخضري أن “تلك المحاولات ماهي الا جس نبض الموقف العراقي، لكي تستهدف الحشد الشعبي بصورة كاملة ونهائية”(12)
واعتبرت رئيسة حركة إرادة، حنان الفتلاوي، أن “وضع النجباء على لائحة الإرهاب الأميركية مقدمة لحرب قادمة ضد الحشد الشعبي”، ودعت لاستدعاء السفير الأمريكي، محذرة الحكومة من “عدم اتخاذ موقف صارم تجاه هذه التصرفات”.(13)
وكان موقف النائب عن ائتلاف دولة القانون فردوس العوادي، هو الأقوى، فقالت أن “هذا الموقف الأمريكي ما هو إلا اعتراف رسمي منها بأنها تمثل دولة للإرهاب في كل العالم، والا بماذا يمكن تفسير ادراج من أنهى الإرهاب على قائمة الارهاب؟”.
ولمحت فردوس الى أن “قوى المقاومة التي استهدفتها امريكا هي التي كشفت وفضحت الممارسات الأمريكية التي كانت تزود داعش بالسلاح وتنقل مقاتليه من منطقة لأخرى وتؤمن الأجواء من فوقه، مبينة أنه “إذا لم يكن هناك موقف رادع من قبل الحكومة العراقية كأن يكون طرد السفير الامريكي، فإن بلاده الإرهابية سوف لن تتوقف عن وضع جميع قوى المقاومة العراقية على قائمة الإرهاب”.(14)
وفي الوقت الذي كانت فيه واشنطن تهتف: هناك شخصيات عراقية تعتبر مصدر قلق هائل بالنسبة لنا!(15) كان رد الخارجية العراقية سخيفاً كما هو متوقع ووصفت “تصريحات واشنطن” بشأن المهندس بـ “المتناقضة للواقع” (هكذا كتبت)( 16)
لم توفر الولايات المتحدة أي جهد، ولجأت الى الهجوم على العلاقات الداخلية للحشد، ولم تعف اية جهة من تسليط الضغط لتحقيق غايتها. لكن المعلومات حول هذا الجزء غامضة و بلا مصادر لتأكيدها. لكن يبدو من مجموع ما قرأت ان الصراع بين فصائل الحشد والمعنيين بأمره، طويل وعميق أكثر مما يبدو على السطح، وبشكل خاص بين ميثم الزيدي، المشرف على «فرقة العباس القتاليّة» (تتبع «العتبة العبّاسية»)، وهو صهر أحمد الصافي، وكيل المرجع السيستاني، وشخصيات أخرى. وأن الرجل كان يسعى الى فك فرقته عن الحشد والحاقها بوزارة الدفاع، كما يشير “نور أيوب” في الأخبار اللبنانية (أكرر:دون مصادر).(17)
ويشير المقال أن الشهيد كان اليد التي حافظت على وحدة الحشد، ولعل اغتياله جزء من المخطط الذي يستهدف الحشد اليوم.
وطبيعي ان التيار الصدري لم يكن بعيدا عن الضغط. ففي وقتها صرح مقتدى الصدر تصريحاً مثيرا للاستغراب أيضا: “لسنا بوضع يسمح لنا بالرد”!(18)، ما يعني في الحقيقة ضوءاً اخضر للاحتلال ليقتل من يشاء، وتهرباً من مسؤولية الرد.
ويفهم مما جرى، ان وكيلي المرجعية تعرضا لضغط أمريكي شديد للمساهمة بدور بعملية إنهاء الحشد. ويبدو ان الوكلاء حاولوا التنصل من هذه المهمة المحرجة، والاكتفاء بالامتناع عن الدفاع عنه بوجه حملاتهم، لكن الأمريكان لم يقتنعوا، فبادروا بقصف مطار العتبة، كجر إذن وتحذير من القادم.
في ردها على القصف والقتل، بدت “العتبة الحسينية” وكأنها ليست مهتمة بقصف الحشد والجيش والشرطة وركزت كل اهتمامها على قصف مطارها! وحتى احتجاجها على هذا جاء باهتاً، فلم تصفه بأكثر من انه “الاعتداء الصارخ الذي لا مبرر له أصلا”، (وكأن بقية الجريمة لها “مبرر”!) مهددة بالشكوى الدولية، والتي تحولت فيما بعد الى شكوى أمريكية لأن الأمريكان “لا يفهمون إلا لغة القانون”!، ولم نسمع بشيء عنها!(19)، (20)
وليس من المستبعد أن الولايات المتحدة أوصلت الرسالة الى الوكلاء بأنها جادة في مخططها، وهددت بأكثر من ذلك. وبالفعل ابلغ الشيخ عبد المهدي الكربلائي قادة التشكيلات الأربعة انه “لابد ان يبتعد الحشد عن سياسة المحاور الدولية والإقليمية.. وان يكون مندرجاً ضمن سلطة الدولة العراقية”، مذكراً إياهم بوجوب طاعة مرجعية النجف!(21)
وهكذا قام الوكلاء بما هو مطلوب منهم ليثبتوا صداقتهم للأمريكان، والنأي أنفسهم عمن يطالب أميركا بإخراج قواتها. لقد قسم بيان وكلاء المرجعية الحشد الى قسمين، من اسمتهم “المقاومة” من جهة، و”الحشد”، وبالتالي اعتبرت نفسها من خلال التسمية، غير مسؤولة عن الأول. فأخرجوا الألوية التي تطيعهم من الحشد، وتركوا الباقين المطالبين بخروج الاحتلال ليواجهوا مصيرهم أمام الاحتلال واجهزته وحدهم، وهو ما اشرت اليه في مقال سابق.(22)
وفي هذا الموقف، لو أن وكلاء المرجعية، يرون فرقاً بين الاحتلال وداعش، لربما فهمنا الأمر، لكنهم يعلمون جيداً ان داعش والقوات الامريكية هي واحدة، ولا شك انهم شاهدوا كبقية العراقيين أفلاماً وشهادات عديدة سجلت ولجان تحقيق نيابية أعلنت بانهما طرفان متعاونان لإنجاز مهمة واحدة!
هذا يعني أن وكلاء المرجعية مجبرين على موقفهم لسبب ما. وليست هذه أول علامة على تعرض وكيلا المرجعية للضغط الأمريكي واستجابتهما له، لكنها الأشد وضوحاً بلا شك. ولم أكتب عن ذلك إلا عند الضرورة، املا ان يكون الأمر خطأً، ويمكن تلافيه، لكن يبدو أن الخلل كبير لدرجة سمحت لأميركا ان تمرر اجندتها بهذا الشكل. هناك من يشكك بمعرفة السيد السيستاني بالأمر ورضاه، على أساس ان أسلوب المرجعية هو بإصدار بيان موقع، وليس من خلال ارسال وكلائها للتفاوض والضغط.
المقالة القادمة ستكون تكملة لهذه وسنتحدث فيها عن أهمية الحشد، وما يعني اختفاءه من الساحة.
(1) مقرب من العبادي يستغرب من تصريح تيلرسون ويؤكد: لايحق لاي جهة التدخل بشؤوننا
http://www.alsumaria.tv/news/219453/
(2) رئيس هيئة الحشد الشعبي: وزير الخارجية الاميركي ليس مؤهلا للتعليق على الحشد
http://www.alsumaria.tv/news/219865/
(3) الحشد الشعبي يدعو الولايات المتحدة إلى “الاعتذار” عن تصريح لوزير خارجيتها
http://www.alsumaria.tv/news/219508/
(4) صادقون تصف تصريحات تيلرسون بـ”الوقحة والمهددة” للمنظومة الامنية بالبلد
http://www.alsumaria.tv/news/219641/
(5) صادقون تنتقد تصريحات تيليرسون وتشدد: كان الاولى طرده
http://www.alsumaria.tv/news/220131/
(6) المالكي: مطالبة فرنسا بحل الحشد الشعبي تعارض دستورها وتمس سيادة العراق
http://www.alsumaria.tv/news/223106/
(7) نائب يدعو الرئيس الفرنسي لـ”إحترام نفسه” وعدم التدخل بشؤون العراق
http://www.alsumaria.tv/news/223237/
(8) ممثلو الأمم المتحدة في العراق وإسرائيل – علاقات متميزة وخطرة! – صائب خليل
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/02/07/513016.html
(9) كوبيش: السيستاني ابلغني بأهمية تنفيذ قانون الحشد لحصر السلاح بيد الدولة ومنع مشاركته بالانتخابات
http://www.muttahidoon.iq/index.php/main/view/9097
(10) قيادي بالحشد يحذر من “اغتيالات” قد تطال قادة الحشد الشعبي
http://www.alsumaria.tv/news/222561/
(11) نائب يعتبر قرار الكونغرس الاميركي بشأن حركة النجباء استهدافا للحشد الشعبي
http://www.alsumaria.tv/news/221734/
(12) المواطن تطالب بإيقاف “المحاولات” الامريكية “الاستفزازية” التي تستهدف الحشد
http://www.alsumaria.tv/news/221797/
(13) الفتلاوي تدعو لاستدعاء السفير الأميركي والاحتجاج على موقف واشنطن من الحشد الشعبي
http://www.alsumaria.tv/news/221760/
(14) نائبة عن دولة القانون تدعو الى “توبيخ” السفير الامريكي في بغداد
http://www.alsumaria.tv/news/221901/
(15) واشنطن: هناك شخصيات عراقية تعتبر مصدر قلق هائل بالنسبة لنا
http://www.alsumaria.tv/news/220312/
(16) الخارجية العراقية ترفض تصريحات واشنطن بشأن المهندس وتصفها بـ”المتناقضة” للواقع
http://www.alsumaria.tv/news/219914/
(17) انفصال «الألوية الأربعة»: أول فصول تفكيك «الحشد»؟
https://al-akhbar.com/Iraq/287744
(18) الصدر يدعو لضبط النفس وتجنيب العراق التوترات والصراعات
https://www.mawazin.net/Details.aspx?jimare=90098
(19) العتبة الحسينية تقرر “في بيان لها” رفع دعوى لدى المحاكم الدولية بشأن استهداف مطار كربلاء – قناة الإباء
(20) العتبة الحسينية تشرع بأولى الإجراءات لرفع دعوى أمام المحاكم الأمريكية في قضية قصف موقع مطار كربلاء الدولي
(21) اجتماع سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي مع فصائل الحشد
https://www.facebook.com/ALhussainia.org/posts/134694751399498
(22) بعد قرص اذنها بقصف المطار – المرجعية تأمر الحشد بترك الاحتلال يفعل ما يشاء!
تلغرام https://t.me/saieb_khalil
تويتر https://twitter.com/saiebkhalil
فيسبوك www.facebook.com/saiebkhalil