هل هي ضربة مقاومة ام الاحتلال يضرب نفسه كحجة للاعتداء؟ من أجل سنة مقاومة -4
صائب خليل
بعد كل خبر عن ضربة للاحتلال، سواء كانت لقواته وقواعده، ام لسفارته، يثار بين جمهور المقاومة التساؤل: هل هي ضربة مقاومة ام هي ضربة مزيفة رتبها الاحتلال بنفسه ليتخذ منها حجة لتنفيذ خطوة ما، مثل ضرب المقاومة او ادخال المزيد من القوات الى البلاد أو تزويد سفارته بمنظومة صواريخ، الخ؟
اواجه مثل هذا السؤال من بعض القراء بعد كل خبر عن ضربة، وأجد جمهور المقاومة حائراً: هل يحتفل بالخبر أم يكتب محذراً منه؟ هل هو ضربة من مقاومة حقيقية أم مجندة أم مجموعات “طائشة” غير منظمة لها اهداف دعائية او غيرها، وتوجب الشجب بدلا من التحية؟
وهذا السؤال يصبح مطروحا بشكل خاص حين لا تكون المقاومة موحدة (وهي الحالة الطبيعية المعتادة في أي بلد تحت الاحتلال) ولا يوجد مصدر مركزي لديه الاطلاع ليحدد ان كانت الضربة مقاومة أم لا.
هناك دائما نسبة غموض في حقيقة بعض الضربات، لكن السؤال عن وجوب مباركة الضربة أم لا، يمكن الإجابة عنه رغم ذلك سياسياً على الأقل، وتحديد إن كان من مصلحة المقاومة مباركة الضربة أم لا، بمساعدة سؤال آخر: هل المقاومة في ظرف تكون الضربة في صالحها أم لا؟ وبشكل عام: هل تتخذ المقاومة في تلك الفترة، الضرب كاستراتيجية أم السكوت والتستر المؤقت؟ فإذا كانت المقاومة بصدد الضرب، فكل ضربة هي مفيدة ومحل ترحيب واحتفال. وإن كانت بصدد التستر فكل ضربة هي مؤذية.
فإذا كانت المقاومة قد أعلنت نيتها اخراج القوات الأمريكية بالقوة إن تطلب الأمر، فتتخذ طبيعياً استراتيجية الضرب. ويفترض ان لا يكون هذا الموقف ممطوطاً متكاسلا او ينتظر الفرص فقط، بل يجب ان يكون قويا متصاعداً. والسبب في ذلك ليس بحث المقاومة عن البطولة، بقدر ما هو استراتيجية بقاء. فمنذ اللحظة التي تعلن فيها المقاومة عن نفسها كمقاومة، فإنها تطلق عند العدو سلسلة إجراءات نشطة وفعالة تهدف الى القضاء عليها. وكلما أعطت المقاومة للاحتلال وقتا أطول، مكنته من استمكانها والتعرف على نقاط ضعفها والبحث عن المرتشين فيها أو المؤثرين عليها ووضع الخطط لإنهائها. ولا ينفع المقاومة ان تخفف الضغط بعد ذلك، فهذا لا يخفف حماس ونشاط العدو في القضاء عليها، وسيستمر بنفس قوته حتى ان سكت إعلاميا.
لذلك، فما لم يكن هناك سبب محدد ووجيه جداً للتستر المؤقت، على المقاومة ان تمضي بأقصى نشاط وتسارع ممكن في مهمتها. وفي هذه الحالة، تكون كل ضربة دعم لموقفها وإثبات لوجودها ويفترض بها وبجمهورها ان ترحب بانتساب الضربة لها.
فالمعركة إضافة الى جانبها العسكري، لها جانب إعلامي مهم. ويتوجه اعلام المقاومة إلى نوعين من الجمهور: جمهور المقاومة الذي يجب حشده وإبقاءه في حالة أمل ومعنويات عالية، وجمهور الاحتلال في داخل بلاده هو، حيث يجب أن تسهم الضربات في دعم المنادين بسحب قواتهم. وهنا يجب تأمين القنوات لإيصال الاخبار الى وسائل الإعلام الصديقة والمحايدة في داخل دولة الاحتلال.
ولذلك فأن اعلان المسؤولية عن الضربات ونشرها ضروري لحشد جمهورها في الداخل ولحشد الدعم لمشروع اخراج قوات الاحتلال في الخارج. ولا يجب الاستهانة بهذا الأخير ابدا، بل قد يكون هو الأهم والأكثر فعالية في تحقيق الهدف.
ماذا عن استخدام العدو للضربات كحجة ليضرب؟ يجب ألا تخشى المقاومة كثيراً ان يستخدم اي خبر مقاوم كحجة لضرب المقاومة. فإن كانت المقاومة تتبع الاستراتيجية المصممة على اخراج العدو، فأخبار الضربات في صالحها. أما ايجاد الاحتلال حجة لضرب المقاومة فهو امر بسيط وممكن دائما ولا يمكن منعه، كما انه ليس ضروريا حقاً إن أراد الاحتلال ان يفعل شيئا. لذلك يجب عدم بذل الجهد او التضحية الإعلامية من اجل تحقيقه. فالمفروض انك تردع العدو بقوتك، وألا تعتمد على انتفاء الحجة لحماية نفسك، لأنه لن يكفي.
هناك حالات خاصة كما قلنا (ويجب ان تكون حالات نادرة) يكون فيها خبر ضرب الاحتلال، في صالحه وليس صالح المقاومة، كأن يكون التوقيت حساساً. مثلا أن تكون مباشرة قبل الانتخابات او أثنائها، او عند مناسبة خاصة مثل زيارة البابا لمدينة معينة، إذا كانت الضربة في تلك المدينة، وبدت وكأنها تهديد او استهداف له. كذلك الحالات التي تسبب الضربة وقوع عدد من ضحايا مدنيين من أهل البلد، او حدوث تخريب ليس في صالح سمعة المقاومة ان ينسب لها. في هذه الحالات النادرة والمحددة الأسباب فقط، يصح إنكار مسؤولية الضربة.
نقطة أخيرة حول أسلوب نفي مسؤولية الهجوم، أي الطريقة الإعلامية في نفي الهجوم. فيجب ان تنتبه المقاومة ان لهجة بيان نفي الهجوم تتضمن دائماً بين السطور، معان إضافية تصل الى جمهوره والناس عموماً. فالبيان الذي ينفي مسؤولية الهجوم ويستنكره في ذات الوقت، يشير الى ان المقاومة ضد مبدأ المقاومة نفسه! ويوحي أيضا، بقدر شدة الاستنكار، أن المقاومة “مرعوبة” تريد ابعاد التهمة عن نفسها بأية طريقة خوفا أن تعاقب، مثل متهم يتقافز وهو يحلف الأيمان بأنه بريء.
المقاومة يجب ان توحي لجمهورها بالقوة وبثبات المبدأ. ولذلك يجب عند ضرورة النفي، ان يكون بيان النفي موجزاً مقتضباً: “لم نقم بالضربة” انتهى! لا نقول أنها عمل اخرق (خطأ فادح!).. لا نقول أنها من جهات مشبوهة.. لا نقول أنها من جهات تريد إعطاء حجة للعدو.. لا نطيل الحديث والتبرير، بل القول ببساطة: لم نفعلها، ولا يهمنا ما تفكر! فما بين سطور البيان قد يكون أهم من سطوره. وكل التفاصيل غير الضرورية والتبريرات والتأكيدات، توحي بأنك تترجى عدوك ان لا يضربك، توحي بالضعف وتثير الارتباك والحيرة في جمهور المقاومة.
إذن، هذا ما يفترض بالمقاومة ان تأخذه بنظر الاعتبار حول أية ضربة تقوم بها او تنسب اليها خطأً، وكيف تعلق لتصل الى أهدافها الإعلامية والمعنوية. وبالنسبة لجمهور المقاومة، فالموقف الصحيح هو انتظار بيان من مصدر موثوق للمقاومة، وان يتصرف بإيحاء من هذا البيان في الاحتفال بالخبر أو التعليق عليه.
روابط سلسلة المقالات:
هل هي ضربة مقاومة ام الاحتلال يضرب نفسه كحجة للاعتداء؟ من أجل سنة مقاومة -4
من اجل سنة مقاومة (3) نحو فكر سياسي أنضج ومواقف أكثر تماسكاً
من أجل سنة مقاومة 2 – تقييم تظاهرة الذكرى الأولى لاغتيال الشهيدين
من اجل سنة مقاومة 1- الاقتصاد والمجتمع والحرص الأمني
تابعوني على:
https://www.facebook.com/caib.xelil.3