من اجل سنة مقاومة 1- الاقتصاد والمجتمع والحرص الأمني

من اجل سنة مقاومة 1- الاقتصاد والمجتمع والحرص الأمني

صائب خليل

نبدأ هذا اليوم من بداية سنة 2021، وبذكرى استشهاد الشهيدين، سلسلة مقالات لتأشير نقاط الخلل في المقاومة العراقية والاتجاه المناسب برأيي لتعديلها

وما دفعني الى هذه المبادرة، إحساس بالتفاؤل لأول مرة، ينطلق من المبادرة الإعلامية الكبيرة المتمثلة بتنظيم التظاهرة القادمة غدا (3 ك2 2021) وكذلك النشاط المقاوم على مختلف الأصعدة، بعد خيبات أمل كثيرة محبطة.

عدا هذا انتظر ردود بعض الاخوة بشأن نشيد مقاوم من كلماتي، ارجوا ان يكتمل قريبا كما وعدني أحد الأصدقاء، وكذلك أقوم بدراسة تصميم لنصب كبير للشهيدين وسأطرحه حال اقتناعي به متمنيا ان أستطيع ان اقنع أحد الجهات المهتمة بإنجازه وافتتاحه في الذكرى الثانية في العام القادم.

عودة الى هذه السلسلة من المقالات ونقاطها، أقول إن النقاط ليست مرتبة حسب أهميتها، فهذا صعب مسبقاً، لكن سيكون هناك ميل لترتيبها حسب توافق توقيت نشرها مع الاحداث قدر الإمكان. إنها نقاط تمثل رأيي الشخصي، وطبيعي انها ليست ملزمة لأحد، ويمكن أخذها او أي جزء منها، أو اعتبارها مجرد مؤشر لانطباع الناس عن سياسة واخطاء المقاومة، او اهمالها تماما. وستكون في حالة أي استفادة منها، قد أدت غرضها.

1-   المقاومة يجب ان تدرس بعض الاقتصاد

الإدراك يمكن مطالبة اية مقاومة بأن تكون خبيرة اقتصادية، لكن من الخطر ايضا ان لا تملك اي إدراك اقتصادي. لأن السياسة الاقتصادية لأية جهة، عامل اساسي في كشف هويتها، وهذا بحد ذاته كاف للدعوة للمقاومة لبذل الجهد في دراسة واتخاذ مواقف اقتصادية بالخطوط العريضة على الأقل.

الإدراك بأن اميركا تسعى لتحطيم العراق يجب ان يثير على الأقل الشك بكل ما تقدمه اميركا وتوابعها من ضغوط او نصائح بالتوجه الاقتصادي، ودراستها بعين الشك. فمن يثبت لك المرة تلو والأخرى انه عازم على تحطيمك عسكريا ومدنيا بداعش وغيرها، لا يمكن ان يريد لك الرفاه الاقتصادي ولا يمكن ان يوجهك الا نحو الاقتصاد الذي يعتقد انه يساعده على تحقيق هدفه في تحطيمك.

لذلك، فأن على المقاوم، سواء كان حاملا للسلاح او مقاوم بقلمه او حتى بقلبه، أن يقرع في داخله جرس الإنذار كلما رأى من يتحدث عن الاقتصاد من وجهة نظر اعدائه، فيكرر: الاستثمار… القطاع الخاص.. الخصخصة… حرية السوق..

وبالمقابل ان تكون لديه مؤشرات ترحيب بكل ما يحاربه صندوق النقد الدولي وبقية مؤسسات النهب الأمريكي مثل: التنمية الوطنية… القطاع العام او الحكومي… التأميم… الاقتصاد المخطط.. الحد الأدنى للأجور… دعم السلع الأساسية… التعليم المجاني … الحمائية والضريبة الجمركية..

وطبيعي ان هذا ليس سهلا، في بلد يسيطر فيه اعلام معادٍ قام بتشويه كل هذه التعابير في القائمة الاخيرة، واثار كراهية الناس ضدها وربطها بالأنظمة المتسلطة، وزين العبارات السابقة وربطها بالدول المتحضرة المتقدمة الديمقراطية. لكن “المقاوم” بطبيعته مطالب بأن لا يكون متلقياً قابلا لكل ما يلقي الاعلام المعادي في رأسه من مواقف، وإلا لماذا وماذا يقاوم؟

لذلك، حينما نسمع قيادي كبير مقاوم يدعو الى إعطاء ميناء الفاو إلى “الاستثمار” مبرراً ذلك بأن هذا “لا يكلف الدولة شيئا” فإنه يعبر عن جهل كبير بمعنى الاستثمار، ومقدار ما يكلف الدولة، خاصة عندما تكون فاسدة، من اضعاف أضعاف ما يمنحها، عدا حقيقة ان كل استثمار (كبير) يتضمن انتقاصا (كبيرا) من سيادة الدولة على اقتصادها وسياستها.

طبيعي انه ليس كل من قال “استثمار” فهو امريكي معاد للبلد، ولا كل من قال “تنمية وطنية” وطني، إنما هي مؤشرات أولية واجراس انذار تحفز على الانتباه والتفكير لكل مواطن، خاصة لمن يعتبر نفسه ضمن خندق المقاومة.

يجب ان تعرف المقاومة أيضا انها لا تستطيع ممارسة المقاومة والمقاولات في نفس الوقت، حتى لو كانت هذه امنية يسيل لها لعاب كل المقاومين. يجب ان تشك بكل مقاوم له مصالح تجارية واقتصادية أكبر من تلك التي يمتلكها المواطن العادي، وان تنظر بحذر الى كل مؤسسة مقاومة أو دينية او سياسية، تنتهج نهج المقاولين والتجار أيضا في نفس الوقت، فالتاريخ يقول انها ستتحول الى تاجر فقط، عاجلا او آجلا، والتجار والمقاولين والمستثمرين، أصدقاء الاحتلال الأكثر اخلاصا في كل زمان ومكان.

2-   المقاومة يجب ان تدرس المجتمع

عندما تستمع الى طموحات بعض اهم قادة المقاومة العراقية بالنسبة للمجتمع الذي يريدونه، يصيبك القلق من قلة وعيهم وعدم ادراكهم ان المجتمع الذي يريدون قيادته ليس بكليته إسلامي ملتزم وليس مستعدا بالالتزام بتعاليم الإسلام بالدرجة التي تريدها المقاومة. ان الطموح الى إلباس جميع النساء غطاء الرأس مثلا، لا يختلف مبدئيا عن القوانين الجائرة التي تجبرها على عدم ارتدائه، مثلما فعل اتاتورك في تركيا، او حاليا في بعض الدول الغربية الخاضعة للضغط الصهيوني. ومن الخطأ الكبير اعتبار كل من لا ترتدي غطاء الرأس او عائلتها، هم من المعادين للمقاومة. ويمكن دائما العودة إلى مواقف المقاومة اللبنانية والاسترشاد بها، فهي التي حققت أكبر النجاحات وأشدها قوة في مجتمعها، وليس فقط بين الجهات الإسلامية أو الطائفية فقط، بل تعداه الى الجهات الملحدة والمسيحية. فهي ترى مجتمعها كمجتمع تعايش سلمي لكل من يؤمن بحرية الوطن واستقلاله وكرامته، ولم اسمع يوما قائدها يتحدث عن طموح إن استلم السلطة، للضغط على الآخرين في لباسهم ومأكلهم ومشربهم. لكني سمعت هذا الحديث مرات من قادة المقاومة العراقية، والتي يجب ان تميز بين حقها بطرد الاحتلال من بلدها وحقها بالدعوة الى اتجاه سياسي حسب قناعتها وبالطرق الديمقراطية، عن “حقها” بفرض مقاييسها الخاصة على افراد المجتمع وخصوصياتهم، وان تعي ان مثل هذا الخلط قد يكون قاتلا حين تستلمه وسائل الاعلام المعادية لها وتستخدمه بؤرة لتأليب الناس ضدها وتخويفهم منها.

3-   المعادلة بين الاستعداد للشهادة والحرص الأمني

الأفلام الوثائقية التي عرضت مؤخرا عن اغتيال الشهيدين تكشف بشكل مخيف، الخلل في المفهوم الأمني الذي تعاني منه المقاومة، وبخاصة قادتها الكبار. فرغم المبدأ الشرعي المعروف بـ “عدم القاء النفس بالتهلكة” فأن هذا بالضبط ما فعله الشهيدان! وتمثل هذا أولا بالانطباع بعدم استماع أي منهما الى التحذيرات الأمنية حتى من فريقه الأمني، بل وحتى عندما تأتي من رفيقه الموثوق في الجانب المقابل والذي يعرف الوضع أفضل منه بكثير. كذلك القيام بسفرات بين الدول بدون سبب محدد او ضرورة إلا لملاقاة صديق والحديث معه. ويمكننا ان نفهم ان هذا يمكن ان يحدث أحيانا، فالقائد الثوري، وعلى عكس القائد المأجور، هو انسان قبل كل شيء، وهو بحاجة حقيقية الى ما يحفظ انسانيته، وبالتالي فلن يصل ابدا الى التزام القائد المأجور من ناحية الإجراءات الأمنية، لكن مخالفة تلك الإجراءات يجب ان تكون بحدها الأدنى، وخاصة في الظروف التي تتوفر فيها مؤشرات الخطر.

في الوثائقي “الساعة الأخيرة”، نكتشف العديد من نقاط الخلل واهمها نقطتين:

الأولى أن السرية التي يلتزم بها القائد في تحركه، واخفائه معلومات ذلك التحرك عن جميع المحيطين به (وهي ضرورية جدا بلا شك)، لها جانب سلبي ايضا يجب معالجته. وهذا الجانب، انه بسبب عدم معرفة المختصين بحمايته بطريق توجهه، فإن هذا الفريق لا يستطيع اعطاء تركيز خاص على المعلومات التي ترد عن ذلك المكان بالذات! لذلك يعاملها بنفس اهمية بقية المعلومات، ويفقد الكثير من فرص الاحساس بالخطر. والنتيجة في حالة الشهيد كانت أن عدوه كان على علم بالمكان الذي يتوجه اليه، بينما لم يكن فريق حمايته يعرف بذلك! وبالتالي كان لدى عدوه الفرصة الكاملة والحرية الكاملة للمراقبة والتحري، دون ان يقلق ان ذلك سيثير الانتباه وأن يصل التحذير الى الضحية!

قد يكون الافضل في هذه الحالة ان يعلم القائد شخصا واحدا موثوقا بتوجهه، ويقوم هذا بطلب المعلومات عن ذلك المكان او طلب متابعة المكان من الاجهزة الامنية، اضافة الى مكانين او ثلاثة اخرى للتمويه، على سبيل المثال، لتقليل الخطر.

النقطة الثانية هي ان فريق الشهيد اكتشف العديد من علامات الخطر المهمة جدا، وبعضها قبل ساعة أو ساعات من وصول رفيقه، لكن الشهيد استمر في تصرفه وكأنه لم يعرف شيئا جديدا، وكان الواجب ان يتصل فورا برفيقه ويطلب منه العمل على إعادة الطائرة الى المطار الذي انطلقت منه! فالمخاطرة هنا لم تكن بالنفس فقط انما بالآخرين ايضاً!

نعم ان الاستعداد للشهادة هو حجر الأساس في استبسال القادة وقدرتهم على المضي في طريقهم، لكن غبش الرؤية بين هذا المبدأ وبين الحذر الأساسي والشرعي، خطر أيضا. على المقاومة ان تكون واضحة في دراسة هذه الحدود والتعامل معها بقرارات واضحة لا تقبل الاجتهاد اللحظي، وان تكون ملزمة لأعلى قياداتها.

Subscribe to صائب خليل

Don’t miss out on the latest issues. Sign up now to get access to the library of members-only issues.
jamie@example.com
Subscribe