من أجل سنة مقاومة 2 – تقييم تظاهرة الذكرى الأولى لاغتيال الشهيدين

صائب خليل

علينا ان نفكر كيف نجعل2021 سنة مقاومة، فهم يفكرون الآن كيف يجعلونها سنة ذبح المقاومة! كيف؟ هذا هو السؤال الذي يجب على كل مقاوم أن يبقيه في باله طيلة هذا العام الذي تبارك بافتتاحه بتظاهرة مظفرة!

هذه السلسلة تهدف الى تقديم ملاحظات سعيا الى تمتين بناء المقاومة وسد الثغرات التي يمكن ان يتسرب من خلالها العدو ليقضي عليها. وهذه الحلقة (الثانية) ستكون حول تقييم التظاهرة التي نظمتها المقاومة قبل يومين، في الذكرى الأولى لاغتيال الشهيدين. (انظر رابط الحلقة الأولى أسفل المقالة)

1-  هل كان العدد كبيراً بما يكفي لنقول بأن التظاهرة ناجحة؟

السؤال الأول الذي يخطر على بال القارئ هو: هل كانت التظاهرة ناجحة؟

والجواب على هذا السؤال يعتمد على ما يفهمه المرء من “النجاح” ومدى أهمية ما حققه. وبالنسبة لي، أستطيع القول بكل ثقة ان التظاهرة كانت ناجحة جدا، وحققت أهدافاً عظيمة عديدة في نفس الوقت. وقبل ان آتي إلى أسباب اعتقادي هذا وما تحقق من تلك الأهداف، اشير الى ملاحظة بعض المتظاهرين ومن شاهد التظاهرات بأنهم كانوا يأملون ان يكون العدد أكبر مما جاء. ولام أحد الأصدقاء سكنة بغداد الذين بقوا في بيوتهم رغم سهولة وصولهم الى الساحة قياساً بالمتظاهرين القادمين من مدن الجنوب البعيدة. وعزا آخر الأمر الى نقص التنظيم فيما يتعلق بموعد التظاهرة. فقال انه حينما وصل، كان البعض في طريق عودته الى البيت، وأدى هذا على عدم التجمع في وقت واحد، فبدا الحضور اقل مما هو في الحقيقة. وتصوري ان الإعلام لعب دوراً قذرا كما هو متوقع منه لدفن التظاهرة وتهميشها (لاحقا في هذه المقالة). اما النقطة الثانية فربما كانت بسبب امتداد الاحتفال من الليلة السابقة، حيث مكان اغتيال الشهداء، وإلى اليوم التالي. والآن لننظر لما حققته التظاهرة.

2-  التظاهرة اول تواصل وجس نبض بين المقاومة وجمهورها

حققت هذه التظاهرة اول تواصل مباشر بين المقاومة وجماهيرها. وهو المجال الذي يعاني من ضعف شديد نتيجة لقلة خبرة المقاومة في هذا المجال ولتعقيد الوضع العراقي والتحديات الكبيرة التي تجد المقاومة نفسها امامها، إضافة الى محدودية الإمكانيات الإعلامية التي تمتلكها. سنعود في حلقات قادمة الى هذا الموضوع وكيف تديم المقاومة ذلك التواصل مع جمهورها، وكيف تجس نبضه تجاه مختلف المواقف، لكن الآن نقول ان التظاهرة كانت خطوة أولى كبيرة في هذا الاتجاه. فالمقاومة استطاعت ان تأخذ فكرة ما عن حجم التأييد لها، وأكثر من ذلك حجم تأييد جماهيرها لشعاراتها المطروحة والمتميزة هنا بالوضوح والخاصة بإخراج قوات الاحتلال من العراق والتعاطف مع شهداء المقاومة.

فشعرت المقاومة بلا شك، وربما لأول مرة، كم هو الجمهور متحمس للخطاب الصريح، وكيف هتف الجمهور ليس فقط ضد اميركا، بل ضد “عميلها” الكاظمي كما اسماه الجمهور بلا مواربة. ويفترض ان هذه المعلومة ستكون مفيدة في تحديد مدى قوة خطاب المقاومة مستقبلا وتوقع رد فعل الجمهور عليه.

3-  تظاهرة دون التيار الصدري

هذه الحقيقة لها جانبان: الأول هو التأثير السلبي على حجم التظاهرة. والثاني إيجابي، وهو اتاحة الفرصة للمقاومة مقياس حجم شعبيتها دون اختلاط بالتيار الصدري. فلو اشترك فيها الصدريون لضاعت القياسات. ولا نعرف كيف قرر ان لا يشارك في التظاهرة التي تهدف الى اخراج الاحتلال، وهو المدعي بأنه المقاوم الأول ضد الاحتلال، وكيف سيفسر ذلك لجمهوره. وربما هو يعتمد ان جمهوره لا يطالبه بأي تفسير عن أي موقف. لكن هذه التظاهرة بينت للجميع، ومن بينهم السيد مقتدى والصدريون، انهم لم يعودوا الوحيدين القادرين على تنظيم تظاهرة كبرى. وهذا ضروري، حيث ان السيد مقتدى لا يسير دائما على خط المقاومة، بل انه انتهج مؤخراً موقفا وخطاباً أقرب الى دعاة بقاء الاحتلال بحجة السلمية وعدم تعريض البلاد للعنف وما شابهها من حجج. وتبنى أيضا مبدأ الإعلام الأمريكي المراوغ والقائل بأن على العراق ان يلتزم بـ “النأي بالنفس” وأن الصراع الجاري في العراق هو بين إيران وأميركا وان لا ناقة للعراق فيه ولا جمل. وطبعا فهذا تزوير شديد للواقع، فالعراق فريسة العدوان الأمريكي واغتيالاته وتدميره للبلد، ولا يمكن للفريسة أن “تنأى بنفسها” عن عملية ذبحها. لقد كتبت عن هذا الأمر عدة مرات ومنها اشارتي الى عبارة مكيافيلي: “عموماً، من يطالبك بالحياد ليس صديقا. الصديق سيطالبك بالانضمام اليه وسلاحك في يدك!”

 وأطلقت هاشتاك: #هل_هذا_صراع_ايراني_امريكي_يا_مقتدى؟

وسرني ان شاهدت هذا التساؤل يطلق في التظاهرة بصراحة غير معهودة. فهتف أحدهم في خطابه للمتظاهرين: “من يريد خداعنا بشعار الحياد وابعاد العراق عن الصراعات؟ اية صراعات ونحن مستهدفون؟ اية صراعات ونحن نقتل يوميا؟ اية صراعات وقادتنا يقتلون وضيوفنا يقتلون وكرامتنا تدنس، اية صراعات؟ الخايف خل يتكتر عدنا طلابة ويه أمريكا”

وكان سيد مقتدى قد غرد تغريدة بائسة قبل يوم من الاحتفال (2\1) لا ذكر فيها للشهداء بل القلق من “العنف” وضرورة “السلام” الخ. ثم اتبعها لاحقا بتغريدة أخرى لا تختلف كثيرا في توجهها عن الأولى وملامستها للحيادية. وما زلنا نأمل، بالصحوة او الاحراج، ان يعود سيد مقتدى الى خندق المقاومين، فأتباعه هم كذلك.

4-  الإعلام حاول دفن التظاهرة وليس تجاهلها فقط

في عدوان حزيران 67، كانت محطات راديو اسرائيل تبث اغاني ام كلثوم. فلم تكن تطمح إلا لإبعاد اهتمام بعض العرب عن العدوان على بلدانهم، وهكذا كانت يوم التظاهرة، محطات الإعلام العراقي المعادي للعراق!

لم تكن “الحرة” الامريكية وحدها من حاول ان يتجاهل او يسيء الى التظاهرة ويصغرها بل كل الاعلام العراقي، وكله تقريبا اعلام مشبوه التمويل والهدف. الحرة وجدت في مصر من يتبرع بماء وجهه ليدعي ان التظاهرة فاشلة وأن المتظاهرين حشدوا بالباصات ودفعت لهم مبالغ مقابل التظاهر، دون ان يقدم دليلا او حتى مؤشرا على كلامه. ولفرط حماسه ادعى بتهافت منقطع النظير، ان للمقاومة مصلحة في بقاء القوات الامريكية، وردد بالطبع الشعار المعتاد للقنوات الإعلامية الامريكية بمبدأ ابعاد “الصراع الإيراني الأمريكي” عن ساحة العراق (الذي تبناه السيد مقتدى في تغريدته).

القنوات الأخرى مثل شبكة الاعلام العراقي وغيرها حاولت تجاهل التظاهرة قدر الإمكان، والهاء الناس بأخبار سخيفة، وفي اعتقادي ان هذا كان من أسباب انخفاض عدد المشاركين عما كان يمكن ان يكون. ولم يعدم ابواق الاحتلال ودول الخليج، مثل “رشيد خيون”، ما يسهم به في هذا المجال فاحتفل في يوم 3\1 بتدشين اول بث تلفزيوني في العراق! ومن العجيب أن تتجاهل اية وسيلة اعلام تظاهرة بهذا الحجم الكبير في عاصمة بلادها، او تتناولها بشكل عابر، فهذا لا يحدث في أي بلد في العالم!

5-  متظاهري تشرين ومؤيديهم اعتبروها تظاهرة “منافسة” وحاولوا تصغيرها او تجاهلوها

وهو ذات موقف الصدريين عموماً، وهذا شيء مؤسف، فلطالما هتف متظاهرو تشرين ضد اميركا وايران معا، فلماذا لم يقفوا مع تظاهرة تتناغم مع احد أهدافهم المرفوعة بشكل صريح؟ واقصد هنا من تظاهر منهم بصدق من اجل اسقاط الفساد ومن كتب منهم بصدق من اجل ذلك، قبل ان تتضح حقيقة تلك التظاهرات وحجم اختراقها الذي يسيرها.
هناك ظاهرة معروفة في علم النفس انه عندما يراهن الشخص بالكثير على امر ما، فسيكون من الصعب عليه الاعتراف بالخطأ، حتى لو حصل على دليل اكيد عليه، ويبدو ان الذين تحمسوا لتظاهرات تشرين يعانون اليوم من هذه العقدة رغم كل الدلائل على انهم وقعوا في فخ للسفارة وان التظاهرات لم تكن تحت قيادتهم ابدا. لا شك أيضا انه لولا هذا الامر لكان التظاهرات أكثر احتشاداً بالمتظاهرين.

6-  تفاؤل وروح معنوية عالية

لقد شحنت التظاهرات المقاومة وجمهورها بروح معنوية عالية يجب ان لا تترك لتضيع هدراً.

كتب لي مرتضى ناهي الزيدي: “تذكرتك في الهتاف العالي والشجاع في وسط الجموع: “يا كاظمي يا جبان يا عميل الامريكان.” كل اقنعة الخيانة تم سحقها في ساحة التحرير وبصوت لا نظير له وبشباب يملكون عزيمة الرجال”

وكتب عادل هاشم الساعدي: “رأيت وأحسست وشممت وشعرت بطاقات شبابية هائلة لا يمكن وصفها من كلا الجنسين إلا بأنها بركان خامد وهي ونحن معهم بحاجة إلى شيئين فقط لا غير ولا أكثر ولا أقل:

  1. قيادة مجاهدة ميدانية شجاعة ومؤمنة وواضحة وصريحة ومباشرة
  2. برنامج عمل لتطهير العراق من المحتل الكافر المجرم الارهابي وعصاباته الفاسدة السافلة الساقطة

أعطونا قيادة وبرنامج ونعطيكم ارواح واجساد بلا حدود.”

وكتب مصطفى الموسوي: “جاي تحس بالتغيير، كيف الزمان يستبدل ناس بناس أكثر قوة وصمود.. الناس حضرت من تلقاء أنفسهم لا بتغريدة ولا دعوات وصرف أموال. ينقصهم فقط القائد السياسي الصحيح. جسد كامل ينقصه فقط الرأس ويذهب بهم الى التغيير المنشود..”

وكتبت أصف ما جرى: “تتفجر روح الشهيد ملايين الشظايا، لتخترق ضمير الملايين وتخلق جيشاً من الماضين على ذات الطريق، فمن سيقتلون ومن سيتركون؟”.

الحلقة الأولى كانت:

من اجل سنة مقاومة 1- الاقتصاد والمجتمع والحرص الأمني

https://saieb.com/article/588