ملاحظات سريعة حول معركة الموازنة ونتائجها
صائب خليل
1- افلت العراق من اكبر الكوارث المخططة لتدميره بإلغاء المواد الخاصة ببيع أموال الدولة للقطاع الخاص
2- هذا مؤشر يعطي الأمل بوجود شرفاء في مجلس النواب.. وهذه نقطة ضرورية جدا للحفاظ على الروح المعنوية من الانهيار
3- استمرار النهب الكردستاني للعراق بنفس مستواه (إن فهمنا المادة بشكل صحيح) هو تقدم كبير. فحتى اليوم كانت كل موازنة تتفوق على ما سبقها في حجم الابتزاز والنهب الكردستاني، والخزي الذي يشعر به المرء نتيجة ذلك. مازال النهب مشكلة وعارا كبيرا كما كان، لكنه لم يتزايد ككل مرة.
4- القروض سيئة ولم يكن لها داع، لكننا كنا نتوقع ضربة اكثر ايلاما للعراق بقروض اكبر
للأسباب أعلاه، لا أتصور ان السفارة كانت سعيدة بإنجازات حكومة الجراء.. وكردستان لم تحقق كل طموحها
5- رفع قيمة الدولار هي مركز الاهتمام الشعبي (للأسف) رغم انها اقل نقاط الموازنة أهمية كما أوضحت في منشور سابق. والحقيقة هي انه لو مرت نقطة بيع وخصخصة النفط وموارد الدولة، فستنهب بلمح البصر ولن يكون هناك أصلا دولارات ليتم رفعها او خفضها. لكن يبدو أن هذه الحقيقة البسيطة ليست بوضوح ارتفاع الأسعار الذي يسببه الدولار. هذا الارتفاع يعاني منه الأثرياء اكثر من الفقراء بشكل عام (بعد ان تستقر الأسعار)، والمهم فيه انه مفيد للصناعة والزراعة الوطنية لمنافسة المنتوج الخارجي الأكثر قدرة على الإنتاج بسعر منخفض في حالة انخفاض قيمة الدولار.
6- عدم وجود ادراك كافي لحجم الكارثة التي تعنيها بيع أصول وثروات الدولة للقطاع الخاص والمستثمرين. إنها لا تختلف كثيرا عن احراق تلك الثروة ولن يكون هناك دولار ليرتفع او ينخفض، لكن إيصال الفكرة الى الناس يبدو صعبا، وانا متأكد انه لو بقيت كل الكوارث وتم إعادة الدولار لكان الانزعاج اقل. هذه نقطة خطيرة جدا تنذر بأن ثروة البلاد سيمكن بيعها مستقبلا دون ان تثير احتجاجا كافيا.
7- هذه النقطة أيضا عن الدولار، فما ادهشني ان الغضب على النواب والفتح والعامري بالذات كان عن تمرير سعر الدولار اكبر بكثير مما كان عن “تمرير” جريمة تنصيب عميل للسفارة العدوة زعيما على البلاد! هذا يبين اننا في مشكلة وعي حقيقية، فلا يمكن مقارنة اذى ارتفاع الدولار بالخطر الشديد على البلد كله، نتيجة تنصيب عميل عليه. هذا النقص في الوعي هو ما سمح بالتدمير المستمر للبلد، رغم وجود نسبة من النواب الشرفاء كما يبدو، والذين تصورنا عدم وجودهم بسبب سهولة تمرير العميل وغيره من القرارات المحطمة للبلد. لكن يبدو لي ان وعي النواب لا يزيد كثيرا عن المعدل العام للوعي.
ومن الناحية الأخرى فهو مؤشر على مشكلة مبدئية لدى الناس. فإن لم يكن الشعب مبدئيا بما يكفي لتقديم مستقبل بلده على سعر الدولار والمواد الاستهلاكية، فمن حقنا ان نتساءل عن حقه في غضبه على النواب الذين يفضلون مصالحهم المادية المباشرة على مستقبل البلد. إنها مشكلة خليطة من نقص الوعي بالخطر والتعب والفقر وتراجع المبدئية في المواقف بسبب كل الظروف.
8- الغاء الضرائب كان خطوة سيئة ايضاً. لأنها كانت معدة بشكل معقول ولا تمس الموظفين الافقر الا بشكل بسيط قياسا بما تفرضه على الأثرياء، وكانت ستكون خطوة نحو الأمام في بناء الدولة والمجتمع، كما هو الأمر في كل الدول المنظمة. لكن الناس (لضنك العيش) تريد أن تحصل على شيء حتى على حساب تلك الأهداف التي تبدو بعيدة، فليس لها ثقة بالمستقبل، وهذا مفهوم، لكنه شديد الضرر في النهاية. الأمر نفسه ينطبق على موضوع رفع قيمة الدولار، وكذلك دفع أجور الكهرباء، والذي يواجه بمعارضة شعبية قوية، بينما هو شيء صحيح تماما، على ان لا تتم خصخصته كما يريد صندوق النهب الدولي.
9- يبدو أن نقص المعلومات التي يقدمها مجلس النواب للناس عن اية قضية، وتأخر تجديده الموقع ووضع القوانين قيد المناقشة فيه بصيغتها المحدثة ليطلع عليها الناس، تأخير متعمد. لقد لاحظت هذا في المعاناة المتكررة حين أحاول ان ابحث في الموقع عن أي قانون تجري مناقشته، وأصاب دائما بخيبة امل اما بوجود نسخة قديمة او عدم وجود اية نسخة على الإطلاق، مما يجعلني اتردد في البحث، وهذا حسب اعتقادي شيء مقصود. هذا التأخير وقلة المعلومات لا يقتصر على الشعب كما يبدو، بل يشمل النواب، فقد اشتكى العديد منهم من هذه النقطة على مدى السنوات الماضية ولم يكن الامر مختلفا مع موازنة هذا العام، كما بينت نائب(ة) من . وفي رأيي ليس الامر صدفة، بل هو عملية تخريب متعمدة بدون أي شك. فمن يسيطر على المجلس وادواته ومنها الموقع على النت، هو السفارة، وهي مهتمة (بالتعاون مع رئاسة البرلمان طبعا) بأن تعزل الناس عن قرارات المجلس قدر الإمكان، وكذلك دفع النواب الى التصويت دون قراءة القرار، لأنهم يطلعون عملائهم على المطلوب منهم (من خلال رؤساء الكتل) اما الباقين فمن الأفضل ان لا يعلموا شيئا، وهذا ما يفعله الموقع.
10- مرة أخرى لم نشاهد جلسة النواب كما يحدث في كل بلدان العالم، ولم نعرف من هم السفلة الذين صوتوا على مواد الخصخصة وبيع العراق، لان هؤلاء برأيي يرتكبون ابشع جريمة تستحق بحق حكم الإعدام شنقا حتى الموت، لكن العتب على النواب الشرفاء الذين يسمحون باستمرار التعتيم على التصويت والمجاملات وكذلك الشعب الذي لا يبدو ان ما يهمه يتعدى “النتائج النهائية” وليس معرفة من الذي حققها ومن وقف بوجهها، وهذا المعلومات ضرورية ليعرف كل مواطن وجهة تصويته القادمة، ان أراد التصويت.
إذن الانطباع متفائل: افلت العراق من كارثة بيعه بالمزاد، هناك شرفاء يختبئون في مجلس النواب علينا ان نكتشفهم ونتعاون معهم، القروض اقل مما كنا نخشاه، وكذلك ابتزاز كردستان لم يرتفع عن السنوات السابقة كما كان يحدث، لكنه استمر على مستواه فقط.
المحبط هو مستوى الإدراك لما هو خطير وما هو اقل خطرا، والطريقة القصيرة النظر التي يضع فيها الجمهور أولوياته، وهو ما بحاجة الى عمل لتصحيحه، لكنه مفهوم أيضا في الظروف التي يعيش بها الناس. كذلك الامر بالنسبة لاستمرار عدم نقل الجلسات مباشرة على الهواء، وهو خلل متعمد بلا شك، مثل بقية الأمور لوضع اكبر كمية ممكنة من الحواجز بين الشعب والقرارات التي تتخذ لبلده.
في هذه الظروف الأشد قسوة والأكثر خطورة من أي وقت اخر على البلد، وبوجود عملاء لدولة معادية على قيادته تعمل كل جهدها لتحطيمه، أجد الخسائر مقبولة نسبيا، ولا أتصور ان السفارة ستسكت بل ستعمل على إعادة محاولة تحقيق أهدافها سريعا، وسنواجه تلك المحاولات قريبا جدا.