لم الحرص أن يكون وزير الخارجية كردياً في هذا التوقيت؟
صائب خليل
قرب نهاية العقد الأول من فترة الحكم الامريكية، قال النائب الكردي السابق محمود عثمان على فريقه انهم يجب ان يطالبوا في المرة القادمة أما بوزارة المالية أو النفط بدلاً من الخارجية التي لا فائدة حقيقية منها لكردستان. وتم التآمر لتنصيب العبادي من قبل اميركا وكردستان، دون ترشيح كتلته له، فحصلت كردستان على الوزارتين بدلا من أحداهما، واحدة لكردي والأخرى لتابع قديم لكردستان، وكان هذا جزء من الثمن الذي كان على العبادي ان يدفعه فتحول وزيرهم زيباري من وزارة الخارجية الى المالية، واستلم عادل عبد المهدي وزارة النفط، فشكلا كماشة ابتزاز رائعة لكردستان، منحتها فوراً مبلغ نصف مليار دولار بلا أي مبرر تحت تسمية “استعادة الثقة”، إضافة الى حق تصدير النفط وتفاصيل أخرى.
إذن، هاتان الوزارتان، هما ثدي البقرة الحلوب – العراق، ومن خلالهما يمكن مص اكبر كمية من حليبها، ودمها ايضاً، لكن الكرد اليوم اخذوا الخارجية. فلماذا رضوا بها؟
يجب ان نتذكر أن وزارات الكرد، مثل مقاعد الكرد في مجلس النواب، وزارات ومقاعد أمريكية إسرائيلية مضمونة الاصوات. وبالتالي مثلما لكردستان مصلحة فيها، فلأميركا أيضا مصلحة فيها. ورغم توافقهما شبه التام وتعاونهما على تدمير العراق نهائياً، كان هناك أحيانا بعض اختلاف المصالح على بعض المسائل بين كردستان والاحتلال الأمريكي. ومن تلك المسائل: أي الوزارات يجب ان يختار الكرد؟
تم تسليم زيباري الخارجية العراقية منذ الاحتلال ولمدة عشر سنوات كاملة، ملأ فيها الوزارة بالكرد بشكل وقح فكان معظم السفراء من الكرد وكانت السفارات العراقية في الخارج تحت سيطرة الكرد التامة. ومن خلال السفارات، كانت معظم لجان الانتخابات في الخارج ايضاً تدار من قبل الكرد، وتم تثبيت تزوير كبير جداً لصالح كردستان في العديد من الدول منها هولندا. إضافة الى ذلك شاهدت بنفسي مدهوشاً، أول سفير عراقي في هولندا يدعو الشركات الهولندية للاستثمار في كردستان (وليس في العراق!).
في البداية كانت فترة تثبيت المكاسب، والتزويرات ونسب السكان ولم يكن هناك الكثير من المال او النفط لنهبه، لذلك كانت وزارة الخارجية أهم. ولكن العامل الأهم في ذلك كان إرادة اميركا. فالخارجية استمرت للكرد بعد ذلك لمصلحة أمريكية اكثر مما هي كردية والسبب هو ضرورة توقيع الاتفاقية الامريكية العراقية، فكان وزير الخارجية (هوشيار زيباري)، هو المسؤول عن “المفاوضات” مع اميركا! ويمكنك ان تتخيل زيباري يفاوض اميركا من الجانب العراقي!
توقعي ان المشاورات بينهما كانت فقط حول اقصى ما يمكن تحقيقه من خنق للعراق، ولا استبعد ابداً ان زيباري كان الجانب الأكثر تشددا وطموحاً في هذا الخنق. فكان زيباري يأتي بما حصل عليه من المفاوضات الى مجلس النواب، فيمتدح الامريكان ويمتدح ما حصل عليه من شروط، ليحصل على التوبيخ والتقريع ويعاد الى واشنطن ليأتي بشروط افضل قليلا وهكذا، الى ان انتهت الاتفاقية الى ما انتهت اليه.
كان زيباري يحاول ان يقنع العراقيين بشروط الامريكان وليس العكس كما هو واجب المفاوض العراقي، فيقول مثلا لمجلس النواب، مهوناً: “إنها عشر سنين فقط ولن تبقى قواتهم الى الأبد” أو كلام غامض مثل “الاتفاق “ضروري للأمريكيين والعراقيين لإنهاء الغموض حول مستقبل العلاقات بينهم” أو بالكذب الصلف مثل: “لو لم يكن الأمريكيون موجودون في العراق لرأينا تدخلات كثيرة من قبل دول الجوار وكان آخرها الحشود العسكرية التركية على الحدود الشمالية للعراق”.
فالقوات التركية كانت تدخل وتضرب بموافقة الحكومة التي هو وزير خارجيتها وبتواجد القوات الأمريكية التي يرجو حمايتها! ولم تفعل اميركا سوى تقديم الخرائط والصور الفضائية اللازمة للجيش التركي لإكمال مهمته، حتى ان بارزاني “زعل” على كونداليزا رايس! وقد أوضحت هذه التفاصيل في مقالة لي في بداية عام 2008 بعنوان “الاتفاقية الأمريكية العراقية: وزير الخارجية وقضية لا تجد سوى الكذب للدفاع عنها”.
هذه العودة الى التاريخ اردت منها ان ابين ان السبب في حصول الكرد على الخارجية، هو لرغبة وتعليمات أمريكية، وان تلك الوزارة تتبدل حسب أولوية الحاجة الامريكية. والآن هم بحاجة لتلك الوزارة لتسهيل توقيع الاتفاقية القادمة. فؤاد حسين ليس اقل كرها للعراق من زيباري، ولا اقل طاعة للتعليمات الامريكية والإسرائيلية، لذلك يترك منصبه في وزارة المالية، ليستلم الدبلوماسية العراقية.
بكلمة أخرى، الخارجية ضرورية في مفترقات الطرق، والنفط والمالية في بقية الأزمنة، لتحقيق اكبر تدمير للعراق وابتزاز له.
وقد لا يكون بقية الوزراء أقل إخلاصاً لأميركا من فؤاد حسين، خاصة وقد قام مقتدى الصدر والعامري بتسليم البلد الى العميل الأمريكي ولص الأرشيف مصطفى الكاظمي. لكن يبدو ان الخيار الكردي المباشر هو ما يفضله الامريكان، وهذا هو سر تأجيل الكاظمي طرح فؤاد حسين في البداية لكي لا يعرقل الموافقة، ثم استعجاله توزيره قبل بدء المفاوضات، بعد ان اطمأن الى سيطرته على الساحة.