كيف ثبت السيد السيستاني عراقية النفط في الدستور؟
صائب خليل
تقول المادة 111 من الدستور العراقي “النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات.”
ولو انتبهنا، سنلاحظ ان روحية هذه المادة “توحيدية” بشكل مخالف لمعظم نصوص الدستور، والتي نلحظ فيها علامات التآمر والاحتيال والألغام التي وضعها الأمريكان واتباعهم واهمهم كالبريث، الذي كان يعمل مرشدا لحكومة كردستان، حول طريقة تلغيم الدستور لتسهيل عمليات ابتزازهم للمركز مع سبق التخطيط، واهم من ذلك النصوص المفرقة التي تعطي الأقاليم أولوية على الدستور نفسه. فما سر هذه المادة الدستورية، وكيف دخلت الى الدستور رغم كل تلك الأفاعي؟
في إحدى مكالماتي المتكررة في السنوات السابقة مع الأستاذ فؤاد الأمير، وهو اهم مرجع عراقي في مجال النفط، ويساري مخضرم ابلى بلاءا حسنا في الدفاع عن النفط وله فضل كبير في تأخير ضياع هذه الثروة المستهدفة، تحدثنا طويلا عن هذه المادة، والتي استند اليها أكثر من أي مادة أخرى لتأكيد عدم دستورية الابتزاز الذي تمارسه كردستان، وإثبات عدم شرعية عقود مشاركة الإنتاج التي تنتهجها في تعاقدها مع الشركات الأجنبية، والتي حرمت كردستان والعراق من ثروات كبيرة، وحاجج بها بقوة ضد عبد المهدي الذي كان من أهدافه عندما كان وزيرا للنفط لدى العبادي، ثم رئيسا للحكومة، في سعيه الى تحويل عقود التراخيص إلى عقود مشاركة انتاج، واخبرني أن الفضل في وجود تلك المادة في الدستور يعود الى السيد السيستاني، الذي اشترط إدخالها للحصول على دعمه للدستور!
في البداية كتبت عنوانا آخر لهذه المقالة هو “كيف أنقذ السيد السيستاني النفط العراقي”، ثم ابدلته بالعنوان الحالي، لأني انتبهت أن النفط العراقي لم ينقذ بعد وانه مازال يصارع معركة عسيرة للبقاء على عراقيته.
صحيح، لقد تم انقاذ النفط العراقي من المؤامرة المهولة التي سميت زوراً “قانون شركة النفط الوطنية” والذي كان سيؤدي الى وضع كل ثروة العراق في خطر ويهدد بالحرب الاهلية، كما وصفه خبير المحكمة الاتحادية الأستاذ حمزة الجواهري، وتم هذا بفضل مجموعة باسلة من خبراء النفط العراقيين واصدقائهم، سنكتب عنها يوما، من بينها الأستاذ فؤاد الأمير والأستاذ الجواهري.
وصحيح انه قد تمت مقاومة ابتزاز كردستان للعراق ونفطه لفترة من الزمن، لكن هذه المقاومة التي كان من ابطالها السيد حسين الشهرستاني الذي يتعرض حاليا لحملة تشهير، تدهورت تدريجيا في أواخر حكم المالكي ثم انهارت في حكم العبادي الذي كان من اثمان كرسيه أن يوزر عبد المهدي على النفط وهوشيار زيباري على المالية، وأخيراً سقطت تماما واستسلمت بغداد بوصول العملاء المباشرين لأميركا وكردستان (عبد المهدي والكاظمي) الى رئاسة الحكم.
وتتعرض هذه الثروة اليوم لثاني أكبر خطر عليها (بعد خطر قانون شركة النفط الوطنية) من قبل الكاظمي و “ورقته البيضاء” التي اعدت في دهاليز صندوق النقد الدولي المشهور بنهب البلدان الفقيرة عن طريق الخصخصة والديون وتنصيب العملاء، حتى تجد تلك البلدان نفسها في “قفص اقتصادي” محكم، لا يمكن إخراجها منه حتى لو جاء الشعب، بعد فوات الأوان، بحكومة وطنية شريفة! وهو بالضبط ما يريد الامريكان تحقيقه من شعارات “الإصلاح الاقتصادي” من خلال الكاظمي وحكومته قبل سقوطها: ضمان تكبيل البلاد وثروتها الى الأبد!
لذلك كله، لم أستطع ان اكتب ان السيد السيستاني “أنقذ” النفط العراقي، لأن هذا النفط مازال في غرفة الإنعاش وفي وضع خطر يسيطر على “المستشفى” التي يرقد فيها، عملاء اعدائه المصممين على اختطافه. لكن ذلك لا يمنع أن السيد السيستاني قد أنقذ ذلك النفط مرات عديدة وكانت كلمته سيفاً بيد من دافع عنه ببسالة في كل معركة خاضها، وله فضل كبير في بقائه حتى الآن للعراق، وبقاء العراق يتنفس منه ويتغذى.
نعم لقد بقي العراق حتى اليوم، وامتلك العراقيون سلاحاً يدافعون به عن وطنهم، عن وحدتهم، عن رفضهم للطائفية، وعن نفطهم واقتصادهم، لكن السلاح لن يقوم بنفسه بحسم كل شيء، ما لم تحمله يد باسلة تضرب به وذهن منتبه شجاع ويقظ، خاصة في هذه الأيام المليئة بالتآمر من كل الأنواع وعلى كل الجبهات!