بحثاً عن إجابات تختتم نقاش المنبر المذهب

صائب خليل
🎯حين رأيت المنبر المذهب لحسينية قصر الزهراء، كتبت:
“هل يشبه الإمام علي أم معاوية؟”
“هل سيسعد الإمام علي لو اهديناه اياه، أم قد يغضبه؟ هل يسعد معاوية؟”
“هل يوحي بتواضع الإسلام، ام ترف البابوية؟”
الأسئلة الصحيحة تعطينا الإجابات فيما إذا كان لنا ان نفرح لتوجه مؤسساتنا ام نقلق! وهنا من المناسب أن نحتكم الى السؤال التالي وأن نجيب بأمانة: “أيشبه هذا علي أم معاوية”؟
وقد اثار هذا الموضوع، خاصة بعد الرد الصدري عليه، أسئلة كثيرة. ورغم ان عدة أصدقاء أشاروا الى ان الموضوع أخذ أكبر من حجمه وادار الاهتمام بعيدا عما هو اهم منه من احداث، وقال آخرون انه موضوع حساس ينبغي عدم لمسه، فإني أرى انه مادام الامر قد حاز اهتمام الناس، وما دمنا نمتلك الحد الأدنى اللازم من القدرة على التفاهم، فمن المناسب ان نمتلك الجرأة على المحاولة لعلنا ننجح ونتوصل الى نتيجة ونتعلم من المحاولة شيئا، ونختتم الموضوع ونغلقه فلا يبقى مفتوحاً في اذهاننا مثل الكثير من الأسئلة.
وفي هذه المقالة القصيرة اسعى الى تقديم رأيي في محاولة “تصفية” الخلافات الى اتفاق مبدئي، ولو بالحد الأدنى على الأمر، لكي يختتم بشكل واضحٍ ومرضٍ، معترفاً بمحدودية اطلاعي على الامر، واعتمادي على ما اعرف، مدعوماً بالتحليل المنطقي الذي أراه.
 
🎯لعل اهم الأسئلة التي طرحها المدافعون عن بناء ذلك المنبر:
اليس من حق أي انسان ان يتصرف بماله كما يشاء؟
وفق الرأسمالية والقوانين المشتقة منها، نعم، لكن ان تذكرنا اننا نتعامل هنا مع موضوع إسلامي، يجب ان نقول إن ذلك الحق ليس مطلقاً، بل يخضع لتحديدات حسب الشرع الإسلامي، وبالتالي فالجواب “لا” لا يحق للإنسان ان يتصرف بماله كما يشاء! ففي كل من الإسلام والاشتراكية، لا يعتبر حق الملكية الخاصة مقدساً لا يمس، إذا يقدم عليه حق المجتمع وصالحه، وفي كليهما يمكن لولي الأمر ان يحدد تصرف الشخص بأمواله او يستولي عليها ان وجد أن صالح المجتمع يتطلب ذلك (راجع “اقتصادنا” للسيد محمد باقر الصدر، فيما يتعلق بالإسلام). وهذا يعني أن المحاججة بـ “حق الشخص بالتصرف بماله” مردودة (ما لم نكن نتحدث عن رأسمالية بحتة) وبالتالي من حق المجتمع (الإسلامي) مراجعة هذه الملكية متى شاء.
كذلك فان الإسلام يحرم التبذير بشكل واضح:
(وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) [الإسراء: 26-27].
وقد عرَّف العلماء التبذير: بأنه صرف الشيء على ما ينبغي، ولكن أكثر مما ينبغي، بمعنى أن يكون وجه الصرف جائزاً في الأصل، ولكنه خرج عن حد الاعتدال في هذه الحالة بالذات.
إذن السؤال هنا في حق صرف المال على المنبر، يعتمد على تقديرنا فيما إذا كان قد “خرج عن حد الاعتدال” أم لم يخرج.
 
🎯هذان المبدآن، (حق المجتمع بمصادرة ما يملكه الشخص، ومنعه من التبذير) يعودان إلى ان المال حسب الإسلام يعود لله، وان الإنسان مؤتمن على المال ومستخلف عليه: “وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه”. سورة الحديد: الآية 7. والمستخلف، هو الذي يتصرف في مادة الاستخلاف على أساس ما يقرره المالك الأساسي. ومن هنا نرى حق المجتمع في محاسبة الشخص على تصرفه حتى بما “يملك”.
وإذا اضفنا الى ذلك قول الامام علي بن ابي طالب: «ما متع غني الا بما حرم منه فقير». وقوله: «ما رأيت نعمة موفورة الا والى جانبها حق مضيع». فإننا نضع الشبهة على سلامة حصول الأثرياء على أموالهم، وان ذلك (مؤكد، حسب الامام علي) قد تم من خلال حرمان الفقير (حقه المضيع) أي (ظلمه).
 
🎯ويزداد الأمر اشكالا حين نتذكر أن ذلك المال صرف بطريقة تعطي ايحاءاً منافياً للمكان الذي استعمل فيه. طريقة لا توحي بان المكان يعود لأتباع الإمام علي (الذي التزم البساطة والابتعاد عن كل مظاهر الترف) انما تشبه كثيرا ما اتبع خصومه من الأمويين، ثم العباسيين من ترف. فما الهدف من ذلك الصرف إذن؟ كذلك سميت الحسينية بـ “قصر” الزهراء، وهو تشبه بأصحاب الأملاك الضخمة من مفرطي الترف او السلطة، والتي ترتبط بالنهب والفساد والظلم، كما بينا اعلاه.
 
🎯واضافة الى مسألة الترف، فإننا نرى ان المنبر قد صار اشبه بالعرش الذي يجلس عليه الملوك ليثيروا الإحساس بعظمتهم أمام رعيتهم واحساس رعيتهم بالصغر أمامهم! أين هذا من رجل يمنع من يسير معه راجلا وهو راكب، لإلا يحس هو بالتكبر ويحس مرافقه بالمذلة؟ السنا بصدد توجهين، كل على النقيض التام من الآخر؟
 
🎯ولماذا يهاجم الصدريون الحسينية ويضعون أنفسهم حكماً على تصرفات الآخرين؟ ماذا عن جكسارات السيد مقتدى وبذخه في أمور أخرى؟ اليس هذا أيضا تبذيراً؟
سؤال طرح بكثرة ردا على منتقدي المنبر المذهب. والجواب: نعم ارتكب الصدريون خطأً، لكن الإشارة الى خطأ آخر ليس دفاعا جيدا عن التصرف الأول، ولا يثبت صحته. فقد يكون الاثنان خاطئان. والحقيقة انه يؤشر العجز عن الدفاع عن التصرف الأول، واعتراف ضمني بخطئه.
 
🎯ماذا عن القباب والمآذن المذهبة في اضرحة الأئمة؟ هل تخضع لنفس الحكم؟
طرح مثل هذا السؤال في المناقشات، وإذا انتهينا أعلاه الى موقف من ناحية المبدأ، يمكننا ان نطرح هذا السؤال. ورأيي ان الامر مختلف. فلا توجد في القباب والمآذن رموز الى شخص مثل الذي يعتلي المنبر. كما انها تبقى عامة في رمزيتها تعطي المدينة كلها شكلا وخصوصية معينة، وصارت جزءاً من تراثها وذاكرتها. إضافة الى ذلك فهي لا تشبه عروش الملوك، ولا يصعد عليها أحد ليشعر الآخرين بعظمته والباقين بصغرهم.
 
🎯خاتمة القول بالنسبة لي، ووفق المنطق والمعلومات التي سقتها أعلاه، فأن هذا الذهب وهذا الشكل في المنبر، عليه علامات استفهام فيما إذا كان يعطي الرمز السليم لجماعة تدعي تبعيتها لمبادئ الإمام علي، وكذلك اختيارها لكلمة “قصر” في اسم حسينيتها، حتى ان غضضنا الطرف عن الكثير من المواقف الأخرى.
ورغم ذلك لا بد من القول ان اللجوء الى اغلاقها بالقوة، وبشكل استعراضي انتخابي، كان له رد فعل سلبي من قبل الناس تجاه من فعل ذلك. وهو بالتأكيد مخالف للقوانين ويتوجه بالبلد والمجتمع الى الفوضى وسلطة القوة والسلاح بدلا من سلطة القانون، وفي ذلك تخريب أكثر مما فيه تصليح بكثير. ومن المحتمل ان ذلك الاعتداء الاستعراضي للقوة قد خدم أصحاب الحسينية المعنية، حين جعلها ضحية فحصلت على تعاطف كبير، خاصة ممن لا يكنون للتيار الصدري المودة.
🎯
ملخص رأيي في الموضوع:
1- بناء المنبر على هيئة “عرش” مذهب له رمز مناقض لرمزية الإمام علي، وسابقة عليها علامة استفهام.
2- الدفاع عن ذلك الفعل على أساس حق الملكية الخاصة، دفاع غير سليم لأن الملكية الخاصة وفق الشرع الإسلامي تخضع لمحددات المجتمع أيضا، وهي في ذلك تشابه الاشتراكية وليس الرأسمالية التي تقدس الملكية الخاصة فوق مصلحة المجتمع
3- اغلاقه بالقوة من قبل الصدريين خطأ أكبر من الخطأ الأول ويؤسس للفوضى وسلطة القوة والسلاح.
 
🎯لقد كتبت بعد المنشور الأول منشوراً أقول فيه اننا ان تمكنا من اكمال نقاش بشكل هادئ، فهو مكسب حتى ان لم نتفق على شيء، وان نتج عن ذلك تقارب في الآراء، فهو مكسب آخر، وارجو ان نحقق ذلك وأن تكون رؤيتنا أوضح بعد هذا النقاش مما كانت قبله.